من يؤيد ترامب أيضاً؟
عدا عن العنصريين البيض الذين ذكرتهم في المقال السابق وبعض العمال وأفراد الطبقات الكادحة، فإن هناك فئة كبيرة تؤيد ترامب من الحزب الجمهوري من الطبقة الوسطى وينقسمون لعدة فئات أغلبهم ليست بالضرورة معادية للعرب والمسلمين والمهاجرين سواء كانوا شرعيين أو غير شرعيين.
إنهم أناس ملًوا من عائلة بوش ولا يريدون ابناً آخراً يحكمهم كما أنهم ملّوا من عائلة كلينتون ولا يريدون أن يجربوا هيلاري الزوجة بعد أن جرّبوا كلينتون الزوج.
هم أناس يعتبرون بأن ترامب هو المرشّح الجمهوري الوحيد الذي يمكنه الفوز رغم بعده كلّ البعد عن السياسة. بعضهم يقول بأنه رجل أعمال ناجح يتعامل مع آلاف الموظفين ويعرف كيف يدير شركات كبرى وهذا يعني بالنسبة لهم بأنه سيجيد إدارة أمريكا إذا أصبح هو الرئيس.
هناك آخرون يصدقونه عندما يقول بأنه غنيّ جداً ولا يحتاج لأموال متبرعين وخاصة من شركات كبرى أو من لوبيات المصالح الخاصة كاللوبي اليهودي ولوبي السلاح وآخرين غيرهم يؤثرون على صناعة القرارات في أمريكا. كل هذا يجعلهم يعتقدون بأنه يمكنه إصدار قرارات حكيمة لا تتأثّر بأي ضغوطات ولا أدري كيف غاب عن ذهنهم بأن تلك القرارات التي سيتخذها رجل مليونير لن تكون إلا لصالح الأغنياء مثله وخاصة في بند الإعفاءات الضريبية التي يتحمل تبعاتها البسطاء من مؤيديه!
يُعجَب الكثيرون من مؤيدي ترامب بأنه لا يتحدث بأمور معقدة مثل الاقتصاد أو السياسة الخارجية بل أنه يتحدث كأي رجل يجلس في حانة يحتسي الجعة مع أصدقائه. أي أنه مثل أي شخص عادي مثلهم، ليس على دراية بالأمور السياسية والاقتصاد والعلاقات الدولية ويصف الأشياء كما يراها ببساطة وبلا أي تعقيدات.
تعب الأمريكيون من خوض الحروب وخاصة أن أبناء الفقراء والطبقة الوسطى هم من ينخرطون بالجيش بينما يتحدث الأغنياء عن الحروب ويشجعونها لكنهم لا يرسلون أبناؤهم لخوضها إلا فيما ندر وإن حصل، فإنهم يذهبون كقادة لا كجنود يحاربون على الأرض.
لذا، عندما ذكر ترامب في احدى خطبه بأن خطّته العسكرية لحماية أمريكا هي بناء أكبر وأقوى جيش في العالم بحيث سيخاف العالم منه دون أن يضطر لاستخدامه، أُعجب به الآلاف من الناخبين. فبناء جيش قوي يعني توفير وظائف أكبر وفرص عمل جديدة. بالطبع لا يدرك هؤلاء بأن اقتصاد أمريكا يتحسّن عند بيعها السلاح لا تخزينه، وفي حالات الحرب لا في حالات السلم. لكن، كل ذلك لا يهم بما أنه كلام ترامب والذي يبدو لهم منطقياً ومناسباً لظروفهم المادية والفكرية.
عبرت الطبقة المثقفة في أمريكا عن استيائها الشديد لما سببته تصريحات ترامب العنصرية والغوغائية من سمعة سيئة عالميا، الأمر الذي دفع بعضهم لاستشارة علماء النفس لمساعدتهم في شرح سر إعجاب الملايين بإنسان تافه مثل ترامب.
يقول دكتور علم النفس جاك شافر بأن الناس لا تحب ما يقوله ترامب بل يحبون طريقته في قول الأشياء. فثقته بنفسه وقدرته بأن يجيب بنعم أو لا عندما يُسئل سؤالا صريحا أمر لا يمكن لسياسيّ محنك أن يفعله حيث من عادة السياسيين المراوغة بالاجابات عندما لا يريدون الإجابة بصراحة عليها. لكن ترامب لا يهمه أحد ويقول رأيه بصراحة. وكم من شخص غاضب ومحبط من السياسة يود بأن يكون شجاعا مثل ترامب وأن يعبّر عن رأيه بصراحة لكنه يخاف ردود فعل رئيسه وزملائه في العمل أو ردود فعل العائلة أو الأصدقاء أو الجيران فيفضل بأن لا يقول شيئا ويصمت، وعندما يستمع لتصريحات ترامب تجده يشعر بالراحة. وكأن ترامب هو صمام التنفيس عن البخار في آلة كبيرة تغلى المياه فيها.
لا أدري إن كنتم ستوافقون مع تحليل هذا الطبيب أم لا ولكن ما يهمني جداً ويخيفني جداً في كل هذه الظاهرة هو أن ترامب جعل الكراهية الكامنة في النفوس تطفح إلى السطح وإلى أن تكون أمرا عاديا يتحدث عنه الإعلام بكل بساطة. أدري أن الكثير من المرشحين والمشاهير والكتّاب والمثقفين عارضوا ما قاله ترامب عن المسلمين لكن الجماعات العنصرية البيضاء المسلحة لا تهتم لهم ولا لأرائهم الُمحبة والمهادنة للمسلمين، وقد تجدها فرصة سانحة لشن هجمات مسلحة على جوامع ومراكز إسلامية في أمريكا.
من الجدير بالذكر بأن هناك ٧٨٤ منظمة عنصرية مسلحة في أمريكا، يعتقدون أن المسلمين المتواجدين في أمريكا هم أعضاء خلايا سرية تنتظر إشارة لشن هجمات داخلية على مواقع أمريكية حساسة. وجاء اعتداء سان برناردينو في كاليفورنيا منذ بضعة أسابيع كحجّة ليثبتوا أن خوفهم من مسلمي أمريكا مبرر. فالكلام المملوء بالكراهية حتى لو لم يكن مقصودا يمكن أن يؤدي للعنف.
سأترككم هنا مع معلومة بسيطة لكن معناها كبير جدا، قامت شركة استطلاع للآراء بإضافة سؤال وهميّ خلال استفتاء جدّي عن الانتخابات الأمريكية وقضايا أخرى تهمّ الأمريكيون من الحزبين الجمهوري والديمقراطي نصّه: "هل توافق على قصف أغرباه؟".
لكم أن تتخيلوا النتيجة، أجاب ٤٥% من الحزب الجمهوري بنعم، كما أن ٣٠% من الحزب الديمقراطي قالوا نعم بينما كان أكثر من ٥٠ % غير متأكدين، أي أن هناك احتمال بأن يوافقوا هم أيضا على قصف المدينة. المثير للسخرية والمقلق بنفس الوقت هو أن أغرباه اسم مدينة علاء الدين الكارتونية وهي ليست مدينة حقيقية، لكن الاسم أوحى لهم بأنه اسم عربي فبرأيهم، لماذا لا تُقصف أغرباه؟!
لكن السؤال الآن، ماذا فعل العرب كي يحّسنوا من صورتهم بحيث لا يوافق الناس على ضرب مدنهم الحقيقية؟