نشرت مجموعة من الباحثين الذين ينتمون لمنظمات تدافع عن الحقوق المدنيّة وحريّة الرّأي وغيرها من المنظمات غير الرّبحية أوّل تقرير موثّق عن صناعة الإسلاموفوبيا في أمريكا في شهر أغسطس من عام ٢٠١١.
تعمّد الباحثون نشر التّحقيق المطوّل قبل الذكرى العاشرة لأحداث سبتمبر لأنّهم كانوا يخشون تنامي تأثيرات صناعة الكراهية وازدياد عنوتها عند اقتراب تلك الذّكرى. اسم التقرير "فيير إنك" ويمكن ترجمته حرفيّاً إلى "شركة الخوف" والمقصود هنا الشّركة التي تموّل ترهيب النّاس بالإسلام.
كان أهمّ ما توصّل إليه هؤلاء الباحثون، وربّما سيكون هذا أكثر شيء صادم للقرّاء، هو أنّ تكلفة تشويه صورة الإسلام، الدّين السّماويّ الذي يعتنقه حوالي المليار والنصف من البشر والذي أقبل الأمريكان عليه لفهمه ودراسته واعتنقه الكثير منهم بعد أحداث سبتمبر بلغت ٤٠ مليون دولار فقط! المبلغ ليس باهظاً أبداً لكنّ أثره كان ولا يزال مكلفاً علينا هنا كأمريكان مسلمين وعلى العرب في الوطن العربيّ عموماً والمسلمين في أوروبا كما سنرى فيما بعد.
يذكر التقرير أنّ الممولين هم عبارة عن سبع هيئات ومنظمات محافظة التوجه وأغلبها منظمات غير ربحية تدعم مشاريع تعليمية وأخرى خيرية على الأغلب فإنّهم لا يعرفون بأنّ تبرعاتهم تذهب لتمويل صناعة الإسلاموفوبيا في أمريكا.
هذه الملايين تم إنفاقها على ما يسمون بالخبراء مروّجي الشّائعات الذين يلفقون أخباراً ومعلومات خاطئة عن الإسلام، عددهم خمسة أشخاص وهم ديڤيد جافني وديڤيد يروشلماي، ودانيال بايبس وروبرت سبنسر وستيڤن إيمرسون، وكلّهم محسوبون على التّيارات الصّهيونية في أمريكا.
يتجوّل هؤلاء الخمسة في جميع أنحاء الولايات المتحدة الأمريكية لإلقاء المحاضرات والإدلاء بشهاداتهم أمام القضاة ومشرّعي القوانين في مختلف الولايات من أجل منع تطبيق الشريعة الإسلامية في محاكم الصّلح الأمريكية وفي حالات الطّلاق والإرث، وهو ما يسمح به القانون الأمريكي لجميع الطوائف الدينية.
أستطيع تلخيص رسالة هؤلاء الخبراء (وهي صفة أطلقوها هم على أنفسهم حيث لا خبرة لهم إلاّ في الكراهية) للشّعب الأمريكي في التالي: الإسلام عبارة عن أيديولوجية عنيفة تسعى للسيطرة على الولايات المتّحدة الأمريكيّة، وما هو يشكّل خطراً على المجتمع الأمريكي لأنّه يشجّع على قتل اليهود والمسيحيين، وأنّ من ينشر الدّين في أمريكا هم الأمريكان المسلمون الذين يعملون في جميع المجالات في الحياة الأمريكية وخاصّة النّشطاء منهم!
المثير للانتباه أنّ هؤلاء الخمسة لا يعملون بمفردهم ولم يكن بمقدورهم إقناع الشّعب الأمريكيّ بالأكاذيب التي يلفقونها عن الإسلام دون مساعدة سعاة الشّهرة والرّبح الماديّ السّريع من العرب والمسلمين. فهناك فرق كبير بين أن تكون أشقر الشّعر ولكنتك أمريكيّة وتقول إنّ الإسلام دين عنف يشجّع على القتل أو أن تكون مصرياً أو سورياً أو لبنانياً أو فلسطينياً ولك ملامح ولكنة عربية ثقيلة وتقول هذا وما هو أسوأ منه بكثير!
وخصّ التّقرير المصرية نوني درويش ومنظّمتها التي تطلق عليها اسم "مسلمون سابقون متّحدون وعرب من أجل إسرائيل"، والطّبيب البشري زهدي جاسر ومؤسسته "المنبر الإسلاميّ من أجل الدّيمقراطية" وهو الشّخص الوحيد المولود في أمريكا وخدم في الجيش ويتحدث بلكنة أمريكيّة بحتة، واللّبناني الماروني وليد فارس ومؤسسته "مشروع الإرهاب القادم" وهو أحد خبراء الشّرق الأوسط من ضمن حملة المرشّح الرئاسي ميت رومني، فلكم أن تتخّيلوا تأثيره السّلبي، وأخيراً الفلسطينيّ وليد شعيبات الذي يعرّف نفسه كإرهابيّ مسلم سابق ويعتنق الدّين المسيحي الآن.
لم يكن من الممكن لهذه الشّخصيات المشبوهة أن تشتهر دون مساعدة بعض الإعلام الأمريكيّ الذي يعطيهم فرص للظهور على أشهر البرامج التلفزيونية ممّا يعطيهم مصداقية مثل محطّة فوكس التلفزيونية وأذرعتها الإعلاميّة المنتشرة في كل مجالات الصّحافة الأمريكيّة والأوروبية وبعض الدّوريات الأسبوعيّة والشّهرية والصّحف مثل الواشنطن تايمز وبرامج إذاعيّة أخرى مثل برنامج مايك ساڤاج وغيره.
يوضّح التقرير أنّ بعض أعضاء الكونجرس فتحوا أروقة صناعة القرار وسنّ وتشريع القوانين أمام هؤلاء الناس ليدلوا بشهاداتهم المغلوطة، وذكر التقرير أسماء بيتر كينج وألان وست وميشيل باكمان ورينيه المرز وغيرهم، وهم يستعينون بالخبراء الخمسة إضافة إلى العرب والمسلمين الذين ذكرتهم قبل قليل ليحذّروا صنّاع القرار من خطورة معاملة الدّين الإسلاميّ مثل الأديان الأخرى.
وأخيراً نشر التّحقيق آخر حلقة في هذه المجموعة الضالعة في صناعة الإسلاموفوبيا في أمريكا وهي المنظمات التي تشكّلت وخلقت عدّة أفرع لها في عدد كبير من الولايات الأمريكيّة. واحدة من هذه المنظمات أنشأتها لبنانية مارونية تدعى بريجيت غابريال واسمها "آكت فور أمريكا/ افعل من أجل أمريكا" ولها عدّة فروع الآن في كندا وأستراليا وبريطانيا وألمانيا وإسبانيا والنرويج والسويد والهند وتايلاند والمكسيك والأرجنتين والبيرو ونيجيريا وجنوب إفريقيا.
وتنفق الأموال على تكاليف سفرات بريجيت التي تحاضر في الجامعات والكليات وأيّ كنيسة ومعهد يفتح الباب لها لتنشر معلومات مغلوطة عن المسلمين بسبب خبرتها المباشرة مع الإسلام عندما عاشت في الجنوب اللّبنانيّ تحت حكم الإسلام إبّان الحرب الأهليّة اللبنانية، على حدّ زعمها. وهي أكثر من روّج في المحاضرات ومقابلاتها الإذاعيّة والتلفزيونية لما ذكرته في المقال السابق عن البريد الإلكترونيّ الذي كان يشكّك بمواطنتنا وولاؤنا للدّستور الأمريكيّ والخطر الذي نشكّله على أمن الدّولة!
ويذكر التّقرير كيف أنّها صاحبة مقولة "إنّ الفرق بين العرب والمسلمين والإسرائيليين هو كالفرق بين الهمجية والتّحضر، الفرق بين الدّيمقراطية والدّيكتاتورية، الفرق بين الخير والشّر"، ونطقت هذا في جامعة ديوك المشهورة عام 2004 وبدأت هذه المقولة تنتشر في أمريكا، وهي نفس المقولة تقريباً التي استخدمت هذه الأيّام في محطّات المترو في مدينة نيويورك.
ومنظّمتها هي واحدة من سبع منظمات ذكرها التقرير ولعلّ أشهرها هي منظمة باميلا غيلير واسمها "أوقفوا أسلمة أمريكا" والتي سمع بها العالم العربي والإسلامي عندما نظّمت حملة على الشّبكة العنكبوتية وعبر مواقع التّواصل الاجتماعي لوقف بناء مركز إسلاميّ في مدينة نيويورك والمعروف باسم بارك ٥١ بسبب قربه من مركزي التجارة العالميين اللذين تم تدميرهما في أحداث سبتمبر.
وشنّت باميلا حملة منظمة قالت فيها: لا لمسجد أوباما
الإسلام يعني ١٤٠٠ عام من الاعتداءات والجريمة
إلاّ الاستسلام للشّريعة
وإلى غيرها من عبارات الكراهية للإسلام...
والتي نجحت من خلالها في تأليب الرّأيّ العامّ الأمريكيّ ضدّ المركز الإسلاميّ، وهي صاحبة فكرة وضع ملصقات المترو في نيويورك التي تقول فيها: "عندما يتم تخييرك بين الشّخص المتحضّر والشّخص الهمجيّ فعليك باختيار المتحضّر، ساند إسرائيل واهزم الجهاد".
حذّر التقرير الشّعب الأمريكيّ بشدّة من مخاطر تصديق هؤلاء الأشخاص وخطورة نشاطاتهم على الحريّات التي يكفلها الدّستور مثل حرية ممارسة الدّين ومخاطر انجراف البعض نحو الاعتداء على المسلمين بسبب نشر معلومات مغلوطة عن ديانة سماوية مثل الدّين الإسلاميّ، الذي يصعب فهمه حقاً هو سر عدم وجود مبادرات عربية تواجه كل هذا الجهد ضد الإسلام في الغرب.