عمره ١٤ عاما من أصل سوداني واسمه أحمد محمد، أي أنّه مسلم. طالب في مدرسة بولاية تكساس الأمريكية ويسكن في مدينة تعداد سكانها لا يتجاوز المئة والثلاثين ألفا بكثير. رئيسة بلدية المدينة هذه حاصلة على جائزة من أحد روّاد الإسلاموفوبيا في أمريكا. وإذا سألتم لماذا حصلت على تلك الجائزة، فالإجابة لأنها تخيلت، مجرّد تخيّل، بأن هناك حملة لفرض الشريعة الإسلامية على الأمريكين وبالقوة عن طريق سن قوانين لم يكن قد سنّها أحد ولم يحاول فرضها أي أحد. فاستبقت الأمور وتبنّت قراراً برفض تطبيق الشريعة التي لم يطبقها أحد.
أحمد فتى ذكي ويحب أن يخترع أشياء نستخدمها نحن دون أن نفكر بألية عملها أو من ماذا صُنعت مثل السّاعة الرقمية. فقام باختراع واحدة وذهب بها فخوراً كي يبهر مدرّسه والذي بدوره لم ينبهر كثيراً بها وقال له بأن لا يظهرها أمام أيّ من الأساتذة حيث ربما أنه على درايه بضيق أفق وتفكير بعضهم.
ومن حظ أحمد السيّء، وقتها، أن رنّت الساعة خلال فصل اللغة الإنجليزية وعندما عرضها على مدرّسته اعتقدت بأنها قنبلة فسحبتها وأحمد لمدير المدرسة والذي اتّصل بدوره بالشرطة...
أول خطأ وقع هنا كان شكّ المدرّسة بالطالب أحمد لأن هناك آلاف الحالات التي يحضر فيها طلبة أمريكيون اختراعات إلى صفوفهم ولا يشكّ أحدا بأنّهم يخترعون القنابل. مما يدعو للاعتقاد بأن اسمه ولون بشرته الدّاكنة وكونه مسلماً جعله صيدا ثمينا لسوء تصرف المدرسة.
وثاني خطأ هو اتصال الناظر بالشرطة عوضاً عن التأكد من سلامة الاختراع من أستاذ أحمد الأصلي والذي شاهد الساعة وهو خبير بهذه الاختراعات.
والخطأ الثالث الفادح هو إلقاء القبض على الصبي وتقييده بالكلبشات وكأنه مجرم ذي سوابق.
أما الخطأ الرابع الذي يخالف القوانين الأمريكية فهو استجواب الطالب القاصر دون وجود محامي أو أي أحد من ذويه حاضرا معه.
يبدو أن أحمد ذكي اجتماعيا، أي أنه يعي الضغوط التي نتعرض لها كمسلمين في أمريكا والتي زادت وطئتها بشكل ملحوظ في الأعوام القليلة الماضية. ولذا قام باستخدام تطبيق تويتر هو وأخواته البنات اللواتي تكبرانه سنّاً وأطلق "هاشتاغ" يقول "أنا أقف مع أحمد". أحد المخترعين الأمريكان من أصول شرق أسيويه جذب انتباهه هذا الهاشتاغ وخلال ساعات أصبح خبر إلقاء القبض على أحمد ومقابلة قصيرة أجريت معه خبراً عالميا تفاعل معه الرئيس الأمريكي أوباما ومرشحة الرئاسة الأمريكية هيلاري كلينتون والعديد من المخترعين والعلماء والمدرّسين والاشخاص على اختلاف مواقعهم من مشهورين أو أناس عاديين.
أريد التحدّث هنا عن سر تفاعل كمية هائلة من الشعب الأمريكي مع قصة أحمد.
أولا، نحن، أي الأمريكيون من أصول عربية أو مسلمة، لا نترك فرصة لا نعبر فيها عن مدي تنامي شعور العداء لكل من هو مسلم في أمريكا. كثيرون لا يعيروننا الانتباه وأخرون يعتقدون بأننا نبالغ في الشكوى. وكان قتل ثلاثة طلبة مسلمين العام الماضي الشعرة التي قصمت ظهر البعير وأرغمت الإعلام بأن ينتبه ولو مؤقتا لما نسميه نحن الإسلاموفوبيا أو الخوف غير المبرر من الإسلام.
ثانيا، أحمد داكن البشرة ومن السودان من افريقيا. وتعاني أميركا منذ سنة وأكثر من حركة شعبية من قبل السود غاضبة من سوء معاملة الشرطة لهم ومن قتل الكثيرين منهم بدم بارد ودون جزاء رادع. فأعتقد بأن بشرة أحمد الداكنة ضربت على نفس عَصب التفرقة العنصرية ضد السود.
ثالثا، يرتدي أحمد نظارة مثل حال الصورة النمطية لكل من هو نابغة ومخترع وخاصة في الأفلام الكرتونية الامريكية التي يشاهدها معظم الأطفال والصغار. وهذه الصورة تلمّح دوما لبراءة وطيبة البطل العبقري بدليل أن كثيرا ممن غردوا عن حادثة أحمد شبّهوه بشخصية كرتونية اسمها جيمي نيوترون.
رابعا، يتحدث أحمد بلكنة أمريكية بحتة وشوهد في أول مقابلة قصيرة له يعبث بأسلاك و كمبيوترات وألعاب قديمة ومفككة مثله مثل أي صبي مميز في الرابعة عشرة من عمره. أي أنه يمكن أن يكون ابن وحفيد وقريب أي أمريكي في أمريكا ولا فرق بينه وبين أي صبي آخر سوى أنه عربي مسلم داكن البشرة. ولا مبرر لسوء معاملته إلا تلك العوامل التي لا حول ولا قوة له بها.
خامسا، لمحاسن الصدف، كان يرتدي أحمد بلوزة عليها اسم ناسا، وكالة الفضاء الأمريكية، التى تبهر العالم بصواريخها ومساراتها وعلمائها ومركباتها واكتشافاتها وصورها والتي تشكل فخرا لكل أمريكي. فجاءت صورة أحمد مرتديا تلك البلوزة حاملة اسم ناسا كي توضح بطريقة غير مباشرة بأن أحمد مبهور بها وبإنجازاتها. فكان أوّل من ساند ووقف مع أحمد العديد من العلماء والمخترعين، ربما صدفة وربما بسبب وجود اسم ناسا على صدره وهو مقيد بالحديد.
سادسا، ليس من المنطقي أن كل ما يراه الناس عن الدين الذي ينتشر بكثرة في العالم والذي يعتنقه أكثر من مليار ونصف شخص هو دين قتل وعنف وإرهاب فقط. فجاء أحمد بنظّارته ولكنته واختراعه وبراءته وصراحته وشجاعته وثقته ونظرته وهو ينظر للكاميرا وهي تلتقط له صورة ويديه النحيلتين خلف ظهره مكبلة بالحديد كمجرم عتيد، ليعطى رسالة قوية وصلت لمسامع كل أمريكيّ.
ولذا، هي حالة تفرقة عنصرية لا مجال للشك فيها أبدا وطبيعة الأمريكي بأن يتفاعل عاطفيا مع هكذا تفرقة صارخة لصبي يشع بالبراءة والذكاء والنقاء.
نحن ننتقد أمريكا وسياساتها باستمرار ونستخفّ بكثير من الأمريكين لجهلهم بالسياسة والمعلومات العامة، لكنّهم دائماً ما يفاجئوننا بقدرتهم على اتّخاذ موقف شجاع عند الخطأ.
ونأمل بأن يكون هذا درسا لأمّتنا التي تستطيع أن تغيّر آراء العالم عن ديننا وحضارتنا عبر وسائل اجتماعية بسيطة وبطرق بسيطة خلاقة بعيدا عن القذائف والعنف.
وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم